فصل: بصيرة في ذكر داود عليه السلام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.بصيرة في ذكر إليسع عليه السلام:

وهو اسمٌ أَعجمىٌّ ممنوعٌ من الصّرف، وقيل عربىّ وزنه لفع وكان في الأَصل يسْعى، وقيل: وزنه يَعَلُ وكان في الأَصل يوْسع، وقيل: وزنه فَعَل والياء من أَصل الكلمة.
وقيل له يَسَعُ لِسَعَةِ عِلمه، أَو لسعْيه في طلب الحقّ وطاعته.
ويَسَعُ كان خليفة إِلْياس.
ولمّا خرج إِلْياس من بين الناس وركب المركب الذي بعثه الله تعالى له كان يَسَعُ معه، فلمّا رأَى المركب ارتفع في الهواء علم أَنَّه آخر عهده به، فقال: يا إِلْياس بِمَ تأَمرنى؟ وكان معه كساء فطرحه إِليه، فعلم أَنَّه جعله ولىَّ عهده، فاشتغل بدعوة قوم إِلْياس.
وقام بشرائط شرعه.
وذكر الله تعالى الْيسَعَ في التنزيل مع جملة الأَنْبِياء: {وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الأَخْيَارِ}.

.بصيرة في ذكر داود عليه السلام:

ودَاوُدُ اسمٌ أَعجمىٌّ ممنوع من الصّرف، وقيل: داوُدُ معناه قصير العمر، وكان داود أَقصر الأَنبياء عُمْرًا، وقيل: معناه داوى جُرحَه بوْدّ.
وقيل: إِنّما سُمّىَ داود لأَنَّه داوَى الذُّنوب بوُدّه الودود، وقيل داوَى ذَنْبَه ووَدَّ رَبَّه.
وهو أَبو سُلَيْمان داوُد ابن إِيْشا بهمزة مكسورة ومثنَّاة تحتيّة ساكنة بعدها شين معجمة وأَلف.
وقد تظاهرت الآيات والأَحاديث الصّحيحة على عِظَم فضل الله تعالى عليه، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} الآيات، وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ياجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ}.
وقال تعالى: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ يادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} الآية، وقال تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}، وقال تعالى: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} الآيات، وقال تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} وقال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} وقال تعالى: {اعْمَلُواْ آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}، {كُلًا هَدَيْنَا} إِلى قوله: {دَاوُودَ}، وقال تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}، {إِذْ دَخَلُواْ عَلَى دَاوُودَ}، {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ}.
وفى الأثر: «إِنّ داودَ كان يقول في مُناجاته: إِلهى أَتَيْت أَطباء عبادِك لِيُداوُونى وكلُّهم عَلَيْك دَلَّونى».
وفى الصّحيحين: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم: «أَحَبُّ الصّيام إِلى الله صِيامُ داوُدَ، كان يصوم يوما ويُفْطِرُ يوما، وأَحبُّ الصّلاة إِلى الله صَلاةُ داوُدَ، كان يَنام نصفَ اللَّيْل ويَقُوم ثُلُثَه، وَينام سُدُسَه»، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم لأَبى مُوسَى الأَشعرىّ: «لو رَأَيْتَنِى وأَنا أَسْتَمِع قِراءتَك البارِحَة لَقَدْ أُوتيتَ مِزْمارًا من مَزامِير آل داوُدَ».
وعند البخارىّ قال صَلَّى الله عليه وسلَّم: «خُفَّف على داوُدَ القرآن فكان يأْمُرُ بدوَابِّهِ أَن تُسْرَج فَيقْرَأَه قبل أَن تُسْرَج دَوَابُّهُ، وكان لا يأْكل إِلاَّ عن عَمَل يَدَيْه»، المُراد بالقرآن الزَّبور.
وعن أَبى الَّدرْداء يرفعه: «كان من دُعاءِ داودَ الَّلهم إِنىّ أَسأَلُكَ حُبَّكَ وحُبَّ مَنْ يُحبّك، والعَمْلَ الذي يُبَلِّغنى حُبَّك، الَّلهُمّ اجعل حُبَّكَ أَحَبَّ إِلىّ من نَفْسى وأَهْلِى ومن الماء البارِد».
وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إِذا ذَكَر داودَ قال: «كان أَعْبَدَ البَشَر» حسّنه الترمذىّ.
وعن الفُضَيْلِ بن عِياض قال: قال داود: إِلهى كنْ لابْنِى سُلَيْمان كما كُنتَ لى، يكن لك كما كنت لك.
قال العلماء: لمّا استُشْهِد طالوتُ أَعطت بنو إِسرائيل داودَ خزائنَ طالوت ومَلَّكوه على أنفسهم، وذلك بعد قتل جالوتَ بسبع سِنين، ولم يجتمِع بنو إِسرائيل بعد يوشعَ ابن نون على ملِك إِلاَّ داوُدَ.
قال كعبُ بنُ مُنَبّه.
كان داودُ أَحْمَرَ الوَجْه سَبْطَ الرَأْسِ، أَبيضَ الجِسْم، طويل اللِّحية، فيها جعودة، حَسَنَ الصَوت والخَلْق، طاهر القلب.
وقال: وممّا أُعْطِىَ من الفضائل والخصائص الزَّبُورُ وحُسْنُ الصّوت، فلم يُعْطَ أَحدٌ مثل صَوْته.
وحكى من آثارِ صوتِه أَشياء عجيبة حتَّى إِنّ وحوش الصّحراءِ وطُيُور الهواء وسُكّان الأَرض والسّماء كانوا يَطْرَبُون لسماع صَوْتِه ويَتَلَذَّذُون بِحُسْنِ أَلْحانِهِ؛ ومنها تَسْخِير الجِبال والطَّير للتَّسبيح معه، ومنها الحِكْمَةُ وفَصْلُ الخطاب، قيل: معرفة الأَحكام وإِيقانُها وتسهيلها، وقيل: بيانُ الكلام، وقيل: قوله أمّا بعد، وقيل: الشُّهودُ والأَيمْان؛ ومنها السّلسلة المشهورة؛ ومنها القُوَّة في العِبادة والمُجاهَدَة؛ ومنها قوّةُ المُلْكِ وتمكينه؛ ومنها قُوّة بَدَنِه وشجاعةُ قلبه؛ ومنها إِلانَةُ الحديد، ومنها صَنْعَةُ الَّلبُوس الباقى إِلى يوم القيامة تُجاهِدُون بهِ الغُزاة في سبيل الله.
قال أَهل التاريخ: كان عُمْرُ داودَ مائةَ سنة، مُدّة ملكه منها أَربعون سنة.
صلوات الله على نبيِّنا وعليه.
قال بعضهم:
الله رازقُنا بالفَضْلِ والجُودِ ** فاسْتَغْنِ في جُودِهِ عن كلّ مَوْجُودِ

نحن العبيد سِراعٌ في عِبادَتِه ** بلا اعْتِراض على تقْدِير مَعْبُودِ

فاطلب مَبَرَّتَه وامْدُدْ مَوَدَّتَه ** وانْظُر إِلى عَبْده ذِى الأَيْدِ دَاوُد

.بصيرة في ذكر سليمان عليه السلام:

وسليمانُ اسمٌ أَعجمىّ غير منصرف، وقيل مشتقٌّ من السَّلامة، سمّى به لاستسلام أَعدائه له، ولسلامته من غوائلهم.
وفى بعض الأَخبار أَنَّ النمل قال: أَتدرى لمَ سُمِّيت سليمان؟ قال: لا.
قال: معناه يا سُلَيْم آنَ لَكَ أَنْ تَتُوبَ.
وكان في الأَصل يا سليم فَخُفِّفَ.
ودعاه الله عزَّ وجلّ في التنزيل بأَحدَ عَشَر اسمًا تصريحًا وتعريضًا: مُفَضَّلٌ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا}، مُعَلّم {عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ}، ضاحِكٌ {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا}، شاكِرٌ {أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}، صالح {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}، ناظِر {سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ}، مَلِك {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً}، مُتَفَقِّد {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ}، حاكِمٌ {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ}، فَهِيمٌ {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}، عَبْدٌ وأَوّابٌ {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}، مُنِيبٌ {ثُمَّ أَنَابَ}، مَوْهوبٌ وسُلَيْمان {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ}.
وذكره الله تعالى في التَّنْزيل في خمسةَ عَشَر موضعا باسمه، غير المكرّر: {كُلًا هَدَيْنَا} إِلى قوله: {وَسُلَيْمَانَ}، {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ}، {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً}، {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ}، {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا}، {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}، {وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْس}، {لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ}، {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ}، {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ}، {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ}، {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ}، {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}، {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ}، {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}.
قال الثَّعْلبىّ وورث سليمانُ داودَ أي نُبُوَّتَه وعِلْمَه وحكمته دون سائر أَولاد داود.
قال: وكان لداود اثنَا عشرَ ابنا.
وكان سليمان ملك الشام إِلى اصْطَخْر، وقيل: ملك الأَرض.
وقد رُوِى عن ابن عبّاس رضى الله عنهما قال: مَلَكَ الأَرضَ مُؤْمنان سليمانُ وذو القَرْنَيْن، وكافران نُمْروذ وبُخْتَنَصَّر.
وقال كعبٌ وابن منبّه: كان سليكان أَبيضَ جسيما وسيما وَضَّاءً جميلا خاشعًا متواضعًا، يلبس الثبابَ البيض، ويُجالِس المساكينَ ويقول: مِسْكِينٌ جالسَ مِسْكِينًا، وكان أَبوه يشاورُه في كثير من أُموره مع صِغَرِ سِنَّهِ لوفور عَقْلِه وعلمه.
ولمّا ملك سليمان كان كثير الغَزْو والجِهاد لا يكاد يتركه، فتَحْمِلُه الريحُ هو وعسكره ودوابّهم حيث أَراد، وتَمُرّ به وبعسكره الريح على المزرعة فلا يتحرَّكُ الزرعُ.
قال محمّد بن كعب القرظىّ: بلغنا أَنّ معسكر سليمان كان مائة فرسخ، خمسة وعشرون للإِنس، ومثلها للجنّ، ومثلها للطَّير، ومثلها للوحش.
قال: وقال أَهل التاريخ وكان عمر سليمان ثلاثا وخمسين سنة؛ وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة.
وابتدأَ بناء بيت المقدس بعد ابتداء ملكه بأَربع سنين.
قال بعضهم:
أعْطَى سُلَيْمَانَ في دُنْياه مَمْلَكَةً ** لَمْ يُعْطِ قَطُّ كما أَعْطاه إِنْسانا

طَيْرٌ بأَجنحةٍ ظلَّت مِظَلَّته ** رِيحٌ رُخاءٌ أَتَتْه حَيْثُ ما كانَا

آتاه من كلّ شيء ما يُلائمه ** حَتَّى لِمَنْطِق طيرٍ زادَ تِبيانا

فصار يَنْصُره يومًا ويَذْكُره ** لَيْلًا ويَشْكُره قَلْبًا وقُرْبانا

أَفْدِيه من مَلِك أَقوالُه حِكَمٌ ** والله قال: فَفَهَّمْنا سُليْمانا

.بصيرة في ذكر زكريا عليه السلام:

وزَكَرِيّا اسمٌ أَعجمىٌّ يُقْصَر ويُمدّ وقرئَ بهما في السَّبْع.
ويقال زَكَرِيا بتخفيف الياء وتشديدها، وزَكَرٌ كَقَلمٍ، خمس لغات.
أَرسله الله تعالى إِلى بنى إِسرائيل، وكان عالمًا بالتوراة والإِنجيل، وكان إِمامَ علماء بيت المقدس ومُقدّمهم، وكان في تلاميذه أَربعة آلاف عالم قارئ التوراة، وقد استجاب الله دعاءه في حصول ولده يحيى بعد أَن كان زكريا عقيمًا وزوجته آيسًا عاقرًا.
ودعاه الله في التَّنزيل بأحَدَ عَشَر اسْمًا: كَفِيلٌ {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}، داعٍ {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ}، منادِى {إِذْ نَادَى رَبَّهُ}، مُنادَى {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ}، قائم ومُصَلِّى {وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي}، مُبَشَّر {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى}، مُسْتجابُ الدّعوة {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ}، مُسارِعٌ في الخَيْر {إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}، راغبٌ وراهبٌ {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} خاشِعٌ {وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ}، ذاكِرٌ {وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا}، مُسَبّح {وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ}، عَبْدٌ وزكريّا {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا}.
وذكره باسمه فقال: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}، {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا}، {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا}، {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى} إِلى قوله: {مِّنَ الصَّالِحِينَ}، {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ}، {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا}، {يازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ}.
وثبت في صحيح مسلم أَنّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «كان زكريّا نَجّارًا» وهذه من الفضائل لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَفْضَلُ ما أَكَلَ الرَّجلُ مِنْ عَمَلِ يَدِه».
وذكر المؤرخون أَنّ زكريّا كان من ذرّيّة سلمان بن داود عليهم السّلام، وقُتِلَ زكريّا، بعد قتل ابنه يحْيى صلواتُ الله وسلامه عليهما.
قال بعضهم:
قال النبي المُسْتجاب دُعاؤه ** ما كُنْتُ رَبّى بالدُّعاء شَقِيَّا

هب لِى بفَضْلك وارِثًا متَعبِّدًا ** واجْعَلْه يا ربَّ العِباد رَضِيّا

فأَجاب دَعْوَتَه وأَنْجَزَ وَعْدَه ** بفَتاهُ أَعْنِى عَبْدَهُ زَكريّا

.بصيرة في ذكر يحيى عليه السلام:

ويَحْيَ اسمٌ على زنة يَفْعل مشتق من الحَياة، وأُطلق عليه هذا الاسم لأَنه جاء في حال شيخوخة الوالدين، وغالبا لا يطول عمر من كان كذلك، فوهبه الله هذا الاسم اطمئنانًا لقلبها وشرحًا لصدرهما أَنَّه يَحْيَا كبيرًا، وأَنَّه وُلِدَ حَىَّ القلب بالمَحَبَّة، حىَّ الجسم بالطاعة، حَىَّ اللِّسان بالذِّكْر، حىّ السِرِّ بالمعرفة، معصومًا من الزَّلَّة.
وقد دعاه الله تعالى بخمسة عشر اسْمًا في التنزيل، طيّب: {ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}، مُصَدِّقٌ {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ}، وسيّد وحَصورٌ ونَبِىٌّ وصالِحٌ قال، {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} هِبَةُ الله: {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى}، وَلىٌّ {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا}، وارثٌ {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}، رَضِىٌّ {وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} غُلام {نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ}، زَكِىٌّ {وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً}، تَقِىٌّ {وَكَانَ تَقِيًّا} قوىٌّ {يايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}، حَكَمٌ صَبىٌّ {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}، بارٌّ {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ}.
وذكره باسمه يَحْيَى في مواضع منها: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى}، {نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى}، {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى}، {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى}، {يايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}.
قال المفسّرون أَوّل من آمَن بعيسى يَحْيَى.
وقُتِل يَحْيَى قبل أَبيه زكريّا، وثبت في الصّحيحين أَنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «ثم عُرِجَ بى إِلى السَّماءِ الثانية فاستَفْتَح جبريلُ ففُتح لنا، وإِذا أَنا بابْنَى الخالَة عِيسَى بن مَرْيَم ويَحْيَى بن زكريّا، فرحَّبا ودَعَوا لى بخير».
وفى مسند أَبى يَعْلَى الموصلىّ بسند عن ابن عبّاس أَنّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «ما أَحدٌ من وَلَدِ آدَمَ إِلاَّ قد أَخطأَ أَوْ هَمَّ بخطيئة، ليس يَحْيَى بن زكريا» في سنده علىّ بن زيد بن جُدْعان وهو ضعيف، ويوسف بن مهران وهو مُخْتَلَفٌ فيه.
قال الثعلبىّ كان مولد يحيى قبل مولد عيسى بستَّة أَشهر.
وقال الكلبىّ: كان زكرّيا يوم بُشِّرَ بالوَلَد ابن ثنتين وتسعين سنة، وقيل تسع وتسعين سنة، وعن ابن عبّاس: كان ابن عشرين ومائة، وكانت امرأَته بنتَ ثمانٍ وتسعين سنة.
قال كعب الأَحْبار: وكان يحيى حَسَنَ الصورة والوَجْه، ليِّن الجَناحِ، قليل الشَّعَر، قصير الأَصابع، طويلَ الأَنف، مقرون الحاجبين، رقيق الصّوت، كثير العبادة، قويًّا في طاعة الله تعالى، وساد النَّاس في عبادة الله تعالى وطاعته.
وقالوا في قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} قيل إِنَّ يحيى قال له أَتْرَابُهُ من الصبيان اذهب بنا نلعب، فقال: مَا لِلَّعِبِ خُلِقْتُ.
وقيل إِنَّه نُبِّئَ صغيرًا، وكان يعظ الناسَ ويقف لهم في أَعْيادهم ومجامعهم ويدعوهم إِلى الله تعالى، ثمّ ساح يدعو الناسَ.
واتفقوا على أَنَّه قُتِل ظُلْما شهيدًا.
وغضب الله على قاتليه وسَلَّط عليهم بختنصر وجيوشَه، وكان وعد الله مَفْعولًا.
قال بعضهم:
أَلاّ طَهِّرْ فؤادكَ واقضِ سَعيًا ** وعارضْ بالنُّهَى أَمرًا ونَهْيًا

طَوَى كَشْحًا عن الكَوْنَينِ طُرًّا ** نَبِىُّ الله في مَوْتٍ ومَحْيَا

حياةٌ كله حَيًّا ومَيْتًا ** لِذاكَ اللهُ سَمّاهُ بيَحْيَى

. اهـ. بتصرف يسير.